صرت اكتب بكثافة هذه الايام ، انشر تقريبا نصف ما اكتب
قررت اليوم عندما استيقظت الا اكتب شيئا
ثم عدلت قرارى او خففت منه وقد حسمت امرى بالا اكتب شيئا كئيبا
" الاسلوب اللى بتكتبى بيه فى الفترة الاخيرة حلو بس التون نفسه مش عاجبنى"
ردى بانى لا اكتب كى يعجب ما اكتبه احد رد غير مهذب بل وهو بشكل ما غير حقيقى ايضا
لا انكر انى اكتب فعلا لنفسى
اكتب كى اخرج البخار المكتوم المتجمع داخل صدرى .. الضاغط عليه
لكنى لا انكر ايضا ان زهوا يداخلنى اذا ما ابدى شخص اقدره رأيا ايجابيا فيما اكتب كما فعل صديقى الذى ذُكر قوله اعلاه
فى منتصف اليوم اكتب شيئا لا ادرى لماذا كتبته فقط رغبت فى كتابة شئ ليس بالكئيب فكتبت ما كتبت وللحقيقة لم يكن به ادعاء مما جعلنى اتيقن انه يمكننى الامساك بلحظات صفاء على كل حال كتبت
اغلقت الكمبيوتر
غادرت الى مقر الجريدة حيث تقع على عاتقى كل جمعة مهمة مراجعة بروفة الصفحة التى ستصدر فى اليوم التالى والتى توليت رسمها امس
اخرجت من حقيبتى احدث مؤلفات د. ياسر واخذت اقرأ فيه للمرة الثانية ما زلت احاول استيعاب العمل حتى الان ربما اكتب عنه شيئا اخر بخلاف التقرير الصحفى الذى اصابه نحسى منذ اكثر من شهر فلم ينشر حتى الان
لا ادرى ما الذى جعلنى اشعر اثناء القراءة على نغمات صرير عجلات المترو بالدموع تحتشد لتنحبس فى عينى
ليس شئ له علاقة بما اقرأ هذا ما اثق به
وصلت الجريدة اكملت القراءة
ثم اغلقت الكتاب فيما يتزايد احساسى بالانهاك
وضعته بالحقيبة وجلست انتظر البروفة التى جاءت لتنذر بمناوشة جديدة مع قسم الاخراج
وقعت المناوشة اصررت على رأيي فاتهمونى بالتدخل فى عملهم فتصاعد اصرارى الهادئ كنت انتظر تصعيدا منهم .. انتظره واتمناه حتى ينفك الاحتباس الدمعى
الا ان التصعيد لم يقع استطاع احدهم ان يجد حلا وسطا يحقق رؤيتى كمحرر دون ان يغير الكثير من رؤية المخرج
خرجت جلست انتظر تأكيدات مرور الصفحة كما عدلت فيها من الديسك المركزى
حشرت قدمى اليمنى بين الحائط وعجلة المقعد تاركة هامشا صغيرا اخذت احرك قدمى فيه ذهابا لتصطدم مقدمتها بالحائط ومجيئا ليصطدم كعبها بعجلة الكرسى وهكذا حتى سألنى الصحفى الكبير فى الديسك المركزى عما يضايقنى وناوشنى مناديا زميل " مزعل عزة مغازى ليه يا فلان " نظرت له ثم قلت مش زعلانة بس بسللى نفسى
انتهى عملى سحبت حقيبتى وتأهبت للمغادرة ليعزينى بكلمة لطيفة ابتسمت وخرجت
فى المصعد لاحظت تلك البقعة الداكنة التى تبدو من شفافية ظفر وسطاى الايمن منحشرة بينه وبين اللحم
تذكرت انى اصبت بهذا الجرح السمج عندما كسرت توكة شعرى البلاستيكية القاسية بيدى خلال عصبيتى منذ ايام
ضغطت على اصبعى فاذا بانتشار البقعة يزداد وقبحها يتضح
خرجت من باب المؤسسة الاسود
لا ادرى لم اشعر برجفة باردة كلما مررت من هذا الباب للداخل او للخارج
ذهبت لشراء جريدة ومجلة وكتاب طبقتها جميعا فى يدى وذهبت لمحطة المترو
على المقعد جلست وضعت لفافة الاوراق على ساقى وفوقهما الحقيبة الانثوية السخيفة التى ما زلت غير قادرة على اعتيادها وفوق هذا كله وضعت مرفقى واستندت برأسى الى كفى
مر وقت طويل قبل ان يحضر المترو وسمعت صوت بجانبى
انتى زعلانة من ايه
رجل عجوز بدين نظر لى وانا امسك بحزامى حمل الحقيبة وكرر السؤال
قوليلى ايه مزعلك انا راجل تمانينى يعنى امان ممكن تتكلمى
قالها وهو يضحك
ابتسمت وقلت ابدا بفكر بس انى عاوزة انام كان باب المترو على وشك الانغلاق لم اودعه او استئذنه وجريت ليبتلعنى الباب المفتوح ، بالداخل سألت نفسى وانا انظر الى حيث العجوز الجالس على المحطة.. لِم لَم اقتنص فرصة الحديث الى غريب عابر؟
لاتذكر بعد محطتين ان الرجل ذو الوجه المألوف هو كاتب اعرفه والقاه فى كثير من الندوات التى احضرها من ان لاخر
فحمدت الله انى لم اقتنص فرصة الحديث الى من تصورته غريب عابر
تذكرت البقعة الداكنة
فضغطت باصبعى على الجريدة والمجلة والكتاب
هبقى كويسة
هبقى كويسة
ارددها حتى اصدقها
فاذا ما صدقتها تحققت من فرط ايمانى بها
الا انى وجدتنى غير قادرة على الترديد
غير قادرة على الكذب على نفسى هذه المرة ، كذبى علىّ يحتاج الى طاقة لا املكها
انا مش كويسة
انا مش كويسة ابدا
لم اشعر الا وقطرة صغيرة تخرج من بين الظفر واللحم
نبهنى بللها لارفع يدى الى حيث اراها لاجد بقعة حمراء صغيرة تنطبع على صورة عبد الرحمن الابنودى على الغلاف الخلفى لاخبار الادب
لا ادرى كيف دخلت الى منزلى
الدوار يكتنف رأسى
ارتميت على السرير
ووجدت قطرتان مبللتان مالحتان طريقهما الى وجهى