.. تحية متواضعة لأحمد ناجي وفناني المهرجانات **
تحديث: نبهتني المخرجة سلمى الطرزي لخطأ معلوماتي وقعت فيه في هذا التحليل، حيث جانبني الصواب في اسم صانعي مهرجان " الثورة مستمرة" الذي غنّي ضمن الحملة الرئاسية للمرشح خالد علي.
قلت في الموضوع ان صانعي المهرجان هما اوكا وأورتيجا، والمعلومة الصحيحة هي أن صانعي المهرجان هما دي جي فيجو والسادات.
أعتذر عن هذا الخطأ وأشكر المخرة سلمى الطرزي التي قامت بتصحيح المعلومة وسأسعى لنشر التصحيح في العدد القادم من مجلة المجلة حيث نشر التحليل ورقيا.
في الاعلان
الشهير لأحد منتجات الأيس كريم يقف شابين أمام جهاز الكتروني ما، يتراقص أحدهما
مغنيا على إيقاع تم توليده بواسطة الكمبيوتر: "إنسى هموم الدنيا يا صاحبي.. إيدي
في جيبي وماشي براحتي"، بينما يدير صاحبه هذا الجهاز غير المفهوم ليقتحم
بهجتهما أب يصر على تذكير ابنه "بترك الهبل ده " والتوجه للمذاكرة. مصير
الأب صاحب التوجيهات والتعاليم في الإعلان هو التهامه من "الصاحب".
الإعلان الطريف
الذي حقق نجاحا كبيرا بعد عرضه عام 2012، لخص في ثوان قليلة حالة استقبال اللعب
والموسيقى الجديدة المعروفة بالمهرجانات بين جيلين، جيل محبي اللعب الذين يبحثون
عن البهجة المتولدة من مفرادات يومهم الصغيرة، وجيل التعاليم صاحب المحددات
الواضحة لما ينبغي أن يكون عليه الفن والبهجة والحياة.
في تحقيقه الصحفي
الأقرب لدراسة وتأصيل تاريخي لموسيقى المهرجانات يقول الزميل أحمد ناجي عن
"علاء فيفتي" مؤسس تلك الموسيقى: " في مدينة السلام بعيداً عن كل هذا
كان “علاء فيفتى” ينظر إلى مياه المجاري التى تتكَاثر كأنها كائنات حية، تتناسل وتنتشر
في شوارع مدينة السلام. الرطوبة تأكل المباني التى أعدتها على عجل القوات المسلحة بعد
زلزال 92. يتحرك “فيفتى” وسط كل هذا وهو يستمع إلى أغاني أحمد عدوية وفنانى الراب العالميين.
في ذلك الوقت كان “ايمنيم – Eminem” الأبيض الذي يغنى موسيقي الأفارقة الأمريكان ويحقق نجاحاً
أكثر منهم كلهم ظاهرة فريدة في كل أنحاء العالم".
في 2005 بحسب تأصيل
ناجي ولدت موسيقى المهرجانات من كمبيوتر صغير في إحدى شقق مساكن الزلزال في مدينة
السلام، بالتزامن مع ولادة حراك سياسي جديد في الشارع وحركات شبابية تسعى لتغيير
الواقع السياسي وجيل يبحث عن سبل جديدة لإسماع صوته للكبار عبر المدونات الآخذة –
وقتها- في الانتشار البطئ.
لم تكن حركة موسيقى
المهرجانات بمعزل عن هذا، فأصحابها من أبناء الجيل نفسه، يتعرضون لأشكال فنية
وفكرية جديدة ومختلفة تعرضوا لها عبر تجمعاتهم في "سايبرات" المناطق
الشعبية حيث كان إنترنت المنازل مازال عزيزا باهظا. تلك التجمعات فرضت نفسها على
شكل الموسيقى التي ولدت فيما يسميه ناجي في دراسته الصحفية "الخط
الساخن" الذي يجمع مناطق "مدينة السلام والمطرية وعين شمس " الواقع
على تخوم حي مصر الجديدة الثري، والتي تجمع داخلها خليط من أبناء ضباط القوات
المسلحة والأطباء والعائدين من الخليج (عماد الطبقة الوسطى الجديدة) وأبناء
الحرفيين والعشوائيات و أصحاب مساكن الزلزال النازحين من عشوائيات ومناطق فقيرة أخرى
إلى حي مدينة السلام الممتد على مساحة واسعة في أقصى شمال القاهرة.
في فيلم "
ما تحت الأرض يصعد للسطح underground
on surface- اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق" للمخرجة سلمى
الطرزي، يقول أحد نجوم المهرجانات وعضو فرقة 8% أوكّا: " إحنا لسة عايشين في
المنطقة الشعبية، بنتكلم عن اللي شايفينه وعايشينه، عمرو دياب مثلا كان عايش في
منطقة شعبية بس معادش عايش فيها، كبيرك تتكلم عن الحب، الجرح، الحاجات دي..".
كلماته القليلة تلك تلخص أحد أسباب نشأة
هذا اللون الموسيقي ليعبر عن حياة وأفكار لا تجد صداها لا في الغناء الشبابي شبه
الرسمي الذي تعترف به الرقابة والفضائيات والحفلات التي تنظمها مؤسسات الدولة.
فبعيدا عن الحب والهجر والجرح هناك علاقات إنسانية
وأفكار ومشاعر تبحث عن منفذ للخروج للعلن، لهذا يكفي كمبيوتر صغير وبرنامج أو
اثنين يمكن تحميلهما من الإنترنت داخل حجرة مغلقة في حي شعبي، لتولد أغنية عن
"ناس بتموت وناس بتحيا ودم مغرق أرض اليابس..". و"أب باع عياله
وهيس ..عشان واحدة جسمها كويس".
هنا الثورة:
صوت قذائف
الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع يندفع متواليا بلا توقف في شارع محمد محمود،
الميدان ممتلئ وفي كل دقيقة يخرج عدد من المراهقين والشباب من قلب الميدان ليغوصوا
في الشارع مشاركين في الاشتباكات التي بدأت في التاسع عشر من نوفمبر 2011.
في لحظة يصعب
تحديدها من يوم 20 نوفمبر بعد كسح قوات الشرطة والجيش للميدان ظهرا ثم عودة
المتظاهرين اصطنع المتظاهرون ممرا بالحبال لكتيبة جديدة تنضم لصفوف الثورة "
الإسعاف الشعبي" المكون من عدد من أصحاب الدراجات البخارية القادمين من
المناطق الشعبية القريبة.
في الوقت الذي رفضت فيه سيارات الإسعاف التدخل
لإسعاف الإصابات المتواصلة الخارجة من محمد محمود كانت تلك الكتيبة الجديدة مسلحة
بكمامات رخيصة على أنوف أفرادها، تغوص في الشارع لتحمل مصابا تعود به إلى عربات
الإسعاف المنتظرة في الميدان، ويختلط بصوت القنابل ورصاصات الخرطوش وطلقات الرصاص
صوتي أوكا وأورتيجا، ومهرجانات فرقة وليدة تدعى "الدخلاوية" لتشارك
موسيقى المهرجانات في صناعة خليط محمد محمود حيث الصمود والثورة والدم والبهجة.
لم تولد موسيقى
المهرجانات مع الثورة، لكن فرض ذلك الجيل الشاب لنفسه ومفردات عالمه على المجال
العام بعد الثورة، جعل موسيقى المهرجانات تخرج أخيرا من عالم الأفراح الشعبية واحتفاء
عدد من "شباب المثقفين" المهتمين بما تعارف عليه عالميا بمجتمع
الأندرجراوند " حيث تولد فنون المهمشين المتحدية للسلطة بكل أشكالها السياسية
والاجتماعية والثقافية". لتشتهر فرقة 8% المعروفة أكثر باسم عضويها
"أوكّا وأورتيجا" ابني المطرية.
بعد أشهر قليلة
من أحداث محمد محمود سيعير أوكا وأورتيجا صوتيهما للحملة الانتخابية لخالد علي المرشح
الشاب الذي اتخذ " الثورة مستمرة" شعارا له كحامل لمطالب الثورة وواحد
من مرابطي الميدان.
لم يكن أوكا
وأورتيجا وحدهما من أبناء الميدان الذين أنتجوا أغنيات معبرة عنه بأسلوب موسيقى
المهرجانات، فبعد عام من كامل غنى السادات " أحد المؤسسين" مهرجان
الثورة، وقدم الدخلاوية مهرجان نهاية العالم الذي تندر بالمقولة الأشهر لرافضي
الثورة من المواطنين الشرفاء: " ادوله فرصة. نستنى ست شهور". لم يكن
فيجو والسادات وحاحا وأوكا وأورتيجا والدخلاوية " مجموعة مهرجانات
سكندرية" وحدهم من أنتجوا مهرجانات للثورة، ففي العاشر من يناير 2012 وقبل أيام
قليلة من الذكرى الأولى للثورة ظهر مهرجان بعنوان "الثورة مستمرة" الذي
قدم أهم وأشهر شعارات وهتافات الثورة على نغمات المهرجان الشعبي. المهرجان وجد
طريقه سريعا لعربات التوكتوك والميكروباص في المرج ومنشية ناصر والدويقة ومناطق
شعبية أخرى بالقاهرة.
عصر المنتجين:
من المطرية حيث
عشرات الشهداء في جمعة الغضب " 28 يناير 2011"، أتي أوكّا وأورتيجا
ليصيرا أشهر فريق عمل في عالم المهرجانات الذي لا يعترف بالعمل الفردي وإن كان
يحترم تميز الأفراد، رغم أن أوكا وأورتيجا التحقا بعالم المهرجانات بعد مؤسسيه
"حاحا وفيجو وفيفتي والسادات" إلا ان أوكا وأورتيجا أحدثوا نقلة في
الكلمات والتوزيع الموسيقي أكسبهما اختلافا عما يقدمه المؤسسين.
ومع نجاح هذا الشكل الموسيقي في جذب قطاعات
واسعة خارج نطاق جمهوره الأصلي في المناطق الشعبية والشباب المهتمين بفنون
"الأندرجراوند"، التقطت الحاسة الربحية لمنتجين سينمائيين هذا النجاح
ليوظف في فيلم عرض خلال عيد الاضحى المنقضي، وكان أوكّا وأورتيجا من أبطاله وقدما
خلاله عدة أغنيات وجدت كالعادة طريقها للافراح والتكاتك وعربات الميكروباص
والسيارات الفارهة التي تندفع منها الموسيقي عالية في أحياء الزمالك والمهندسين
والمعادي الهادئة.
خلقت تلك
الأغنيات وجمهورها الجديد تصنيفا جديدا
لموسيقى المهرجان فصارت هناك "مهرجانات تجارية" تراعي قيم السوق والجذب،
ويفرض عليها موضوعات وأسلوب لا يتفق مع الحرية غير المشروطة والرغبة في
"إسماع المسكوت عنه" التي كانت أساسا لخلق موسيقى المهرجانات، مما يختلف
مع ما يورده الزميل أحمد ناجي في تحقيقه الصحفي الذي نشرته أخبار الأدب: "
بالنسبة لشباب المهرجانات الموسيقى لا تحتاج إلا الدماغ- الكلمات – الموزع
الموسيقي- والكمبيوتر، ثم رفع الأغنية للانترنت والشبكات الاجتماعية... حقوق
الملكية الفكرية تقريبا غير موجودة". لم يعد هذا واردا في عصر المنتجين وغناء
الإعلانات التلفزيونية.
أغاني بيئة:
رغم هذا النجاح
الذي فرض نفسه بقوة على أفرح الطبقة العليا والشريحة العليا من الطبقة المتوسطة
وعربات الأثرياء المارة في الأحياء الغنية، ظلت أغاني المهرجانات متهمة من جيل
الآباء بكونها "أغاني سوقية" أو كما يقول التعبير الشاب
"بيئة". لكن لم يكن جيل الآباء وحده الرافض لذلك اللون الموسيقي القادم
من أحياء القاهرة الشعبية والواصل إلى مدن "لا قرى" الصعيد وحتى واحة
سيوة، كما يرصد الباحث عمرو عزت في تحقيق صحفي نشره حول الحياة في الواحة قبل أشهر
قليلة من قيام الثورة.
فعلى شبكة
التواصل الاجتماعي فيس بوك التي تلتقط أغاني المهرجانات وتشاركها لآلاف المرات،
أسس أحد كارهي المهرجانات صفحة بعنوان " حملة للقضاء على المهرجانات
الشعبية". الصفحة لم يتخط عدد متابعيها 69 شخص منذ تأسيسها في السابع من
نوفمبر 2012. وتكتفى بجمل يكتبها مؤسسها " أحمد يعقوب" الذي اعتبر
موسيقى المهرجانات "مؤامرة إسرائيلية" لإفساد الذوق العام في مصر.
ويقارن يعقوب المهرجانات بأغاني الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، ويستصب لعنات
الله على فناني المهرجانات رافضا ظهورهم في الأفلام والمسلسلات والإعلانات.
هذه الصفحة رددت
بشكل بسيط ما قاله نقاد وكتاب صحفيون عقب إعلان مؤسسة المورد الثقافي عن استضافة
فناني المهرجانات في سلسلة حفلات في مسرح الجنينة من خلال احتفالية "برا
الصورة" في سبتمبر 2012. ليخرج حراس نقابة الموسيقيين من كبار الموسيقيين سنا
وشهرة بحملة هجوم ضارية على ذلك اللون الموسيقي وفنانيه ويصفهم الملحن حلمي بكر في
تقرير صحفي بأنهم " مجموعة من العشوائيين شاربي المخدرات"، ويصفها هاني
مهنى "بالهلس والنكت" وقال صلاح الشرنوبي أنها مؤشر على ما يراه "انحططا
سياسيا وثقافيا أفرزته الثورة".
بينما نشرت صحيفة ميدل إيست أون لاين الالكترونية تحقيقا يتحدث فيه أصحاب الأسماء
السابقة أنفسهم مصحوبا بصورة لأوكا وأورتيجا وصفا تحتها بلقب " المطربان
العشوائيان"، ليتسق الوصف مع عنوان التحقيق " مصر تتعاطى أوكا
وأورتيجا" في إشارة ساخرة تصم الشابين بكونهما نوع من المخدرات الضارة، وكان
العنوان الثاني : " موسيقيون يعتبرون أعمال الثنائي تسميما للذائقة
الفنية".
الرفض المستمر من
جانب الجيل الأكبر سنا لهذه الأغنيات لم يوقف انتشارها، وتوالت الاتهامات محصورة
في كونها أغنيات تتعلق بالأفراح الشعبية حيث المخدرات والكحوليات ولا تحمل "قيم
المجتمع المصري الأصيلة التي تنبذ هذه كله"، ولم يقدم الرافضون تفسيرا
لانتشار هذه الأغنيات في مختلف الطبقات والأحياء المكتظة بالسكان من فئات متباينة،
رغم كونها بحسب قولهم " تتنافر مع قيم هؤلاء المستمعين جميعا".
الصورة من فيلم اللي يحب ربنل يرفع إيده لفوق ،، للمخرجة سلمى الطرزي
نشر بمجلة المجلة عدد إبريل
تحية خاصة للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي :)