Tuesday, May 21, 2013

على الخط الفاصل

دائما ما كنت افكر ان هناك أشخاصا اختصتهم الأقدار بمحاباة من نوع خاص - أستغفر الله؛ فصار ما يريدونه لأنفسهم هو بالضبط ما يريده لهم المجتمع وهو بالضبط ما يريده منهم إمام المسجد على هذه الارض والله سبحانه في السماء. لا صراع ولا قلق ولا حيرة ولادراما كالتي يعيشها أولئك الذين يحاولون الخروج من هذا النظام المُحْكَم، والحياة على هامش تلك الحياة البليدة الرتيبة التي يعيشها   عموم البشر.. العاديون إذا جاز التعبير 
د. جلال الساعي 

أقول لحضرتك حاجة:  لو ان النبي محمد أرسل الآن للأمة المصرية . ووقف في ميدان عابدين قائلا أنه يوحى إليه؛ أن ملكا من السماء يأتي إليه ويبلغه كلاما من رب العالمين، وانه يرتعد عند سماعه، وزملوني زملوني ودثروني دثروني إلى آخر هذه القصة التي لابد انك تعرفها. تخيل معي، كيف سيكون رد فعل الناس الآن، ستحمله الشرطة العسكرية بدعوى ظروف الحرب التي لا تسمح بظهور أنبياء  في هذا الوقت. سيرمون به في مصحة يثرب للصحة النفسية حيث سيتكفل به دكتور عبدالسلام أبو لهب ويظل يكهربه ويعطيه العقاقير المهدئة حتى يهد حيله. سينسى محمد انه نبي، سينسى جبريل ووحي السماء وكافة شئ، بينما سيواصل الراقصون رقصهم ويواصل المخرجون إخراج الأعمال التافهة الرخيصة. 
 نجيب سرور*

سُرور- طلال فيصل 
كتب خان 2013 

Friday, May 17, 2013

أسوار وسط البلد .. معركة السيطرة على المجال العام.



في الثمانية عشرة يوما الأولى لم تكن الشوارع حول الميدان تقل ظلمة  عنها الآن، بعد انتشار الأسوار المتناثرة الخانقة لمنطقة وسط البلد، خلال فترة تزايدت فيها تلك الاسوار عبر العام ونصف العام المنقضيين.  
خلال تلك الأيام الأولى من الثورة كان قلق من تعلقت قلوبهم بالميدان واحتوت ساحته أجسادهم، ينحصر في أن يظن أعضاء اللجان الشعبية بهم -أو أن يعرفوا عنهم- أنهم " من العيال بتوع الميدان". كان التهديد قائما، والمرور من وإلى خارج الميدان مغامرة يمكن ببعض الحظ أن تمر على خير.

ربما كان غياب الأشباح السوداء ( جنود وضباط الشرطة) التي مثلت في هذا الوقت عدوا طبيعيا للثورة والثوار، قد مثل عامل طمأنة واضح لثوار الميدان، بعد أن اقتصرت عمليات الاغتيال المباشرة التي تقوم بها قوات الشرطة بنفسها داخل القاهرة على الميدان نفسه وشارع محمد محمود الذي ظلت المعارك فيه دائرة لأيام سبقت موقعة الجمل. وتركت مهمة قتل الثوار في باقي الشوارع لبلطجية متعاونين وأفراد شرطة في اللباس المدني كما يعلم ( وينكر) الجميع.

 اختلط ذلك الغياب الشرطي الرسمي بحالة " اليفوريا" التي غمرت كل من كان في تلك المساحة ( ميدان التحرير)، التي باتت الآن بدورها منتهكة مظلمة. هذا الشعور الغامر لدى كل فرد بأن هناك ما هو أهم وأسمى من وجوده المادي المحدود، خفف كثيرا من عبء الخوف والظلمة. هذه اليفوريا نفسها آخذة الآن في التلاشي من الصدور مع الانتكاسات المتوالية للثورة على يد المجلس العسكري ثم السلطة الحاكمة المدنية التي تولت الحكم .. ولا تدخر جهدا في الإطاحة بكافة أهداف الثورة والتنكيل بالمؤمنين بها، ولم تعد بقايا تلك اليفوريا المتناثرة في قلوب المارين وسط القاهرة قادرة على تبديد ظلمات الأسوار الخانقة التي حولت وسط المدينة إلى متاهة مقبضة. 
بين الأسوار تتناثر مجموعات ضخمة من الأشباح السود، ما إن تغيب الشمس حتى يزداد نشاطهم، تصير المناطق البينية في المسافات الفاصلة بين الأسوار (حيث يتواجد ممثلي السلطة وأذرعها الباطشة)؛ منطقة خطر.

منذ عام ونصف العام، ومع توالي عملية السرطنة لشوارع وسط البلد بتلك الكتل الحجرية التي أومن أن الغرض منها ليس حماية ( المنشآت الحيوية) على حد تسمية السلطة على الإطلاق، صرت أتفادى المرور في تلك المساحات البينية التي تسكنها الأشباح السود، لا خوفا ولا رهبة، ولكن ضيقا وألما.. من تلك الفكرة الملحة التي تقول أن "تلك المساحة التي كانت يوما لنا لم تعد". تلك الأسوار الخانقة غرضها الرئيس أن تقول لي ولمن هم مثلي أن الشارع ليس لنا، وأن المجال العام ملك للسلطة تمرح فيه كما شاءت.

لا أرى فيما وقع معي يوم السبت الرابع من مايو والذي كتبت عنه في هذه التدوينة تفصيلا أمرا ينفصل عن تلك الفكرة، فكرة انتزاع السلطة للمجال العام والإصرار على مصادرته والاستحواذ على كل ما يقع في نطاقه بما في ذلك أجساد المواطنين. عرفت من صديقات وناشطات أن تلك المساحات البينية الخانقة تكثر فيها التحرشات الجنسية بالمارات، حيث تكثرالصحف والمنظمات الحقوقية في تلك المنطقة تحديدا.

 هذه المساحات تتعرض فيها الناشطات يوميا لتحرشات لفظية وأحيانا جسدية ذات صبغة جنسية، من ممثلي السلطات من الأشباح السود، حيث تشكل الثياب النظامية السوداء والتكتلات الجسدية المتراصة متلحفة بالهيئة والمنظومة الفكرية نفسها، عنصر حماية ومؤازرة لممارسي الانتهاك .. فكلهم واحد متكرر، إذا أجرم منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
لا أرى في تلك التحرشات الجنسية جوع كامن، أو كما قال لي غير ضابط: " فلاحين مشافوش ستات ومش متعلمين وجعانين". الأمر ببساطة هو ممارسة كل الأفكار المنبنية عليها السلطة، من خلال فعل ربما لا يمثل في ذهن منفذه لحظة إتيانه سوى " التعليم على هؤلاء النسوة المختلفات".

هن نساء . وتبدو الواحدة منهن وكأنها أتت من عالم آخر أقل فقرا، هن يتحركن داخل المساحة التي تضرب فيها تلك السلطة أعمدتها وأسلاكها الشائكة.. هن مستحقات إذن لكل ما يمكن ان يهدم هذه الهالة المتخيلة لدى القائم بالتحرش، في هذه اللحظة التي يرتفع صوت جندي الأمن المركزي عارضا على "المُتَحَرَش بها" الإتيان بفعل جنسي ما معها، أو معربا عن تمنيه بأن يأتي بهذا الفعل، أو يتعرض بوصف بذئ لعضو بجسدها، هو في تلك اللحظة يفرض سيطرته الذكرية محتميا بالسلطة التي يتزيا بزيها، ليؤكد على مايراه ملكيته للمجال العام.. لا يمكنني أن أفصل هذا عن ما يتلقاه هؤلاء الجنود من تعاليم في طوابير الخدمة تؤهلهم لأن يكونوا عصا السلطة ( الدولة كما يقال لهم) في "فرض النظام" وفي حكم المجال العام والسيطرة عليه.

لن أكون متعسفة فأفترض أن تلك الأسوار الحامية هي ما كفلت لجنود الأمن المركزي ممارسة التحرش بشكل يكاد يكون منظما بالمارات في تلك المساحات البينية المغبرة صباحا والمظلمة ليلا – في مصادرة واضحة لحق المواطن في التنقل بحرية، وفي الأمن الذي يتصل بشعور المواطن بالأمان خلال ممارسته لمفردات حياته اليومية-  فتحرشات المنتمين لجهاز الشرطة بدءا من درجاتهم الدنيا ( جنود المرور) مرورا بأمناء الشرطة وصولا للضباط ( أحيانا) موجودة منذ ما قبل الثورة.

لكن كثافة وجود  جنود الأمن المركزي في تلك المساحات البينية محتمين بالأسوار الساجنة لمارة وسط البلد، وبتكتلاتهم العددية وزيهم الذي يضفي عليهم في بعض الأذهان سمتا مثيرا للخوف والذعر، باعتبارهم ممثلين لسلطة باطشة، هذه التركيبة ضمنت تزايد مثل هذه التحرشات، بعد أن اتخذت طابعا انتقاميا واضحا، في نزاع لا يبدو أنه سينتهى قريبا حول المساحة التي يمكن للمواطن ( خاصة لو كان أنثي) أن ينتزعها في المجال العام.  

Monday, May 6, 2013

عن متحرشي الأمن المركزي وقسم السيدة زينب وكارنيه النقابة المقدس

تحذير : التدوينة مفرطة الطول


سأبقى المسافة بيني وبين الواقعة واسعة بشكل غير محسوب، علّني لا أتعثر في الحكي، ليس لخصوصية أو ثقل خاص في الحدث الذي انتوى روايته، ولكن لان الحكي والكتابة صارت عبئا غير يسير منذ ما يزيد على العامين... ولي في تلك المسافة مآرب أُخر.
لابد وان رواد الإنترنت ملوا منحكايات التحرش التي بدا وكأنها طفحت فجأة، يريح البعض فكرة أن الفتيات صرن يستمتعن برواية تلك الحكايات إما لأنها – كما يتصور هؤلاء الرواد-  تضفي على صاحبتها ( في تصور تلك الراوية) انوثة وجاذبية مدعاة تصدّر فيها للعالم أنها تجتذب اهتمام المتحرشين، أو أنها صارت موضة (مودة) تريد كل فتاة أن تنال منها نصيبا.


لن أجادل هاتين الفكرتين أو غيرهما من التصورات التي يحلو لمن يقرأ هذه الحكايات بمزيد من ملل أن يتبناها ، فقط لهؤلاء أقول من فضلك اعتبر هذا تحذيرا ولا تتقدم في قراءة هذه التدوينة فهي حكاية أخرى من تلك الحكايات المثيرة للصداع.


التعرض للتحرش هو أمر لا يثير لدي الرغبة في الحكى او الكتابة على الإطلاق. كل بنت واقعية عاقلة في مصر تصل إلى درجة الملل وتتعامل مع الموضع باعتباره روتين معتاد بعد فترة معقولة من الغضب والاستفزاز والانفعال، الوصفة عادة ما تكون سهلة على من لا يرتدين ملابس تعوقهن عن الحركة: العدو خلف المتحرش ،،الإمساك به وتوجيه ما تيسر من الضربات لما بين ساقية أو دفعه من فوق دراجته البخارية لإصابته ببعض الجروح التي ستجعله يتردد ويفكر في المرة القادمة قبل أن تمتد يده إلى جزء من أجساد فتيات أخريات. أما التحرش اللفظي فحقا لا وقت هناك، سأقضي يومي في المشاجرات وإن أصررت على التصعيد فسأهدر حياتي -  فعلا بلا مبالغة- في أقسام الشرطة.


ما الذي يدعوني للحكي هذه المرة؟ لأن الأمر لا يتعلق بمجرد التحرش ولأن هناك ابعاد عدة في هذه الحكاية تمنحها خصوصية ليس من تلك الأبعاد مجرد أن الواقعة حدثت لشخصي المتواضع، ولكن لكونها بالأساس حدثت لمن تحمل سمات شخصي المتواضع.

في الحادية عشرة والنصف من مساء الرابع من مايو ( السبت الماضي) كنت في طريقي المعتاد من الجريدة التي أعمل بها لبيتي في عزبة النخل، والطريق يتضمن حتما ركوب مترو الأنفاق ولكون محطة سعد زغلول هي الاقرب لمكان عملي فقد اعتدت استقلال المترو منها وإليها منذ إبريل 2011 ( تاريخ التحاقي بالعمل في الجريدة التي أعمل بها حاليا وحتى الآن).


عادة لا يحمل الطريق لي أية مفاجآت، أحب العمل في الشيفتات المسائية ولا يشكل خلو الشارع في طريق العودة تهديدا يذكر بالنسبة لي فالتهديد الحقيقي في نظري أن يكون الطريق به أي ممن ينتمون للجنس البشري، هنا استشعر الخطورة. ويبدو أن طبيعة فترة الإجازات التي تمر بها البلاد هذا الأسبوع أسهمت بقوة في حدوث ما جرى، الشارع كان به قليل من المارة وهو أمر غير معتاد في شارع يخلو من المارة تماما -عادة-  في هذا الوقت من الليل. أثناء دخولي لمحطة المترو من المدخل المجاور لوزارة الانتاج الحربي كنت أحدِّث سمر في التليفون بخصوص روايتها التي أنهيت قراءتها، وأمامي جندي أمن مركزي في الاتجاه العكسي المتجه لخارج المحطة، ما إن صار هذا الجندي إلى جواري حتى امتدت يده ليقرصني صرخت وكلت له السباب وانفعت في الجري وراءه وهو يعدو أمامي إلى ان دخل لشارع مجلس الشعب.


على البوابة الحديدية التي أقامتها الداخلية لحماية مجلس الشعب من الشعب، استوقفني زملاء ذلك الجندي باعتباري واحدة من الشعب الذي لا يحق له المرور في هذا الشارع، سألوني عن وجهتي فأخبرتهم بعبارات مقتضبة ان زميلهم الذي جرى لتوه للداخل تحرش بي، جادلني بعضهم غير مصدقين بينما أطلق أحدهم سبة تتعلق بشخص الجندي المتحرش فأصررت : " فين الظابط المسئول أنا مش ماشية من هنا وهدخل للظابط بتاعه". كان المتحرش قد غاب عن نظري وما هداني تفكيري إليه أن أتسلمه من الضابط المسئول عنه لتحرير محضر بواقعة التحرش، لفظت الجملة واندفعت للداخل من بين أجسادهم فخرج أحدهم من الجمع  ولم يجد بدا من اصطحابي واضعا يديه خلف ظهره، أخذني حتى العربة التي يجلس بها الضابط المسؤول الذي رد علي بعدما أعدت حكاية الواقعة بقوله: " ممكن ميكونش من العساكر اللي هنا وممكن يكون في خدمة في حتة تانية"
-          اسأل العساكر مين من زمايلهم كان برا ولسة جاي وهيقولولك"
         = العساكر مبتخرجش إلا بإذن
-          يبقى شوف مين من العساكر خد إذن خروج ولسة راجع
          = تلاقيه مش تبعي وخرج من الباب اللي هناك على خدمة تانية
-          طيب ما ممكن نسأل العساكر ونعرف
         = دي مش مسؤوليتي كلمي قائد التشكيل


-          طيب فين قائد التشكيل؟ ،، أشار لي نحو البوابة الثانية الموجودة في تقاطع شارع مجلس الشعب مع القصر العيني، توجهت إلى البوابة وهو خلفي وبصحبتي الجندي الذي صاحبني من البوابة الأولي حتى عربة الأمن المركزي، وقبل أن أخرج من البوابة توقفت وسألت الجنود المسؤولين عن تأمينها : في حد من زمايلكم خرج من هنا دلوقت؟، اندهش الضابط لسؤالي المباشر للجنود، بينما أجاب العساكر في براءة : لا محدش خرج خالص وتوجه أحدهم بحديثه للضابط: محدش خرج ولا دخل من هنا خالص يا باشا.

توجهت لموضع قائد التشكيل وأعدت حكاية الواقعة وطلبت منهم سؤال العساكر أين اختفى زميلهم الذي دخل لتوه، لم يفتني انفراد حارس أمن في لباس مدني يمسك بالووكي توكي وتابع لمجلس الوزارة بالضابط الأول الذي تحدثت معه ليهمس في أذنه بعيدا عني ليعود الضابط ويؤكد: مفيش حد يعرف يطلعلك العسكري ده كل العساكر هنا شبه بعض.

واصلت الحديث مع الضباط الآخرين الذين كرروا الكلام ذاته
قلت لهم أن الأمر أبسط من ذلك ..الجندي دخل جاريا من البوابة الأولى ولم يخرج من البوابة الثانية مما يثبط حجة كونه ينتمى إلى أي من التشكيلات الأخرى البعيدة عن مجلس الشعب، وأن سؤال الجنود سيكون كفيلا وحده باستعادة الجندي من حيث يختبئ فهم يعرفون بالتأكيد من من زملائهم عاد لتوه واختفى ،، كما أن الضباط لابد يعرفون من من الجنود موجود بالخدمة في التشكيل التابع لهم، وإن كان جندي ما قد عاد لتوه من مأمورية خارجية، فإن لم يكن في مأمورية خارجية وذهب وعاد دون إذن رسمي فزملائه سيجيبون الضباط ببساطة عمن غادر الخدمة وعاد اليها
استمر الحوار لنصف ساعة كاملة ،، نقاش بيزنطي عبثي
الضباط يصرون على عدم اتخاذ أية خطوة للتعرف على الجندي المتحرش والإتيان به من حيث اختفى، ولم تاخذ أيهم الحمية لكلامي إلا حين قلت " يعني أنا امشي في الشارع أبص ورايا لا ظابط ولا عسكري يتحرش بيا كمان؟" " ليرد أحدهم في غضب: " وانتى بتدخلي الظباط ليه في الموضوع ؟؟ احنا عمرنا ما نعمل كدة احنا مش من بيئة واطية" ليهدئه باقي زملائه ويواصلون ابتساماتهم الهادئة وتعنتهم في تقديم أي رد على سؤالى: "طب إيه الاجراء اللي هتعملوه دلوقت عشان اللي حصل ده؟"
كل هذا وخط التليفون مفتوح دون علم منى وسمر تستمع إلي تفاصيل النقاش البيزنطي
هنا ينتهي الفصل الأول للحكاية، حيث يأست من أن أصل الي أي شئ مع هؤلاء وجررت قدمي المتعبة المتورمة الي البيت
في اليوم التالي استجبت لمكالمة من المحامية الحقوقية انتصار السعيد مدير مركز القاهرة للتنمية التي قرأت ما كتبته سمر على فيس بوك واتصلت بي عارضة المساعدة القانونية توجهت للمركز ومن هناك غادرت الي قسم قصر النيل بصحبة المحامي ( رمضان محمد) لتحرير محضر بالواقعة اختصم فيه الجندي المتحرش الذي أدليت بأوصافه كاملة وقائد تشكيل الأمن المركزي المسؤول عن تأمين مجلس الشعب في وقت حدوث واقعة التحرش.
كان غضبي يتصاعد تجاه قيام ممثلي الأمن العام بالتستر على مجرم فيما اعتبرته تواطؤا واضحا، ومن احتماء هذا المجند بلباسه الرسمي كي يرتكب جريمة آمنا العقاب.
توجهنا لقسم قصر النيل واتصلت بي سمر وأصرت على الحضور معي هناك جلسنا لتقديم البلاغ وسط تجاهل واضح، إلي أن توجه المحامي الى غرفة مساعد المأمور وهناك وقع ما لم أكن أريد
على أن اذكر هنا أني في الليلة السابقة بعد يأسي من الحديث مع ضباط الأمن المركزي المسؤولين عن الجندي المتحرش قمت باجراء مكالمة هاتفية لتأجيل موعد كان مقررا في اليوم التالي ( الأحد) بيني وبين أستاذي. أردت تأجيل الموعد لكي أتوجه لتقديم البلاغ في الموعد عينه، فنصحني أستاذي بالتوجه لنقابة الصحفيين التي صرت عضوة بها قبل شهرين اثنين، كي تساندني النقابة في الموضوع كله.
 عادة لا أدخل في جدل طويل وأنفذ ما في رأسي، وما كان في رأسي أني لن افعل ذلك فقبل شهرين اثنين لم اكن عضوا بالنقابة، وبالطبع لم يكن هناك معنى حتى وأنا صحفية أن أطلب من النقابة دعمي قانونيا فلم تكن انقابة لتستجيب أو تتخذ خطوة باتجاه مساندة أي صحفي لا يحمل عضويتها، كما أن القضية ليست قضية مهنية فهذا تعدي وقع علي باعتباري أحمل تركيبا تشريحيا مغايرا لتركيب الذكور وليس لكوني صحفية.
في مكتب مساعد المأمور وجد المحامي أن ذكر صفتي الصحفية سيكون كفيلا بتسريع الاجراءات، وجدته قد عاد لي ليطلب منى كارنيه النقابة ،، أعطيته إياه تصورا منى أنه يحتاجة لاثبات صفتي المهنية كجزء من المعلومات المطلوبة في المحاضر الرسمية بشكل روتيني، لأفاجأ بكهرباء غير عادية في الأجواء من حولي، فجاة صار هناك اهتمام، هناك من يسدي إلي نصائح حول مكان تحرير المحضر، حركة من وإلي خارج مكتب المأمور مع ضابط كبير يمسك بالبطاقة الشخصية والكارنيه المقدس، فهمت ما حدث وداريت غضبي لعلمي بحسن نية المحام
نصحنا الضابط بالتوجه لقسم السيدة زينب باعتبره محل حدوث الواقعة وبتهذيب شديد جدا يختلف عن لهجته قبل الإمساك بالكارنيه.
علمت لاحقا أن طلب الكارنيه كان للتأكد أنني صحفية بالفعل وأن المحامي ( مش بيبلف). الوصول لقسم السيدة حمل دوامة حقيقية جديدة،، الضابط بمكتب تلقي البلاغات ( النوبتجية) صاح بعد معرفته بالملخص من المحامي : - هي فين اللي اسمها عزة دي؟
سمر ضغطت على يدي لأهدأ بعدما رأت الشر  في عيني، أشرت برأسي لها وقلت له : أنا أستاذة عزة
-          ايه اللي حصل
= عسكري امن مركزي اتحرش بيا امبارح ... الخ
-          وهو اتحرش بيكي كدة من الباب للطاق؟
= بحدة: أمال يعني أنا قلتله تعالي اتحرش بيا؟
-          لا قصدي يعني انتى تعرفيه من قبل كدة؟
= بابتسامة ظاهرها الهدوء : وأنا هعرف عسكري أم مركزي منين يعني؟
-          طب اتفضلي استريحي

عدت للمقعد الرخامي المتعب ... نصف ساعة.. المحام يحذرني من أنهم سيتعمدون إطالة الاجراءات لو لم افصح عن صفتي الصحافية، أجيب بانه لا مشكلة لدي في الوقت ولو استدعي الأمر المبيت في غرفة النوبتجية حتى تحرير المحضر فسأفعل ولن أمل وأغادر.. اتناول كتابا من سمر ونبدأ في المزاح حول ضرورة البدء في حملة لإقامة مكتبات في غرف تحرير المحاضر في الأقسام لمساعدة المواطنين على تزجية الوقت بشكل مفيد لحين تحرير محاضرهم ،، الضابط إياه ينظر لنا في قرف واضح ثم يخرج ليعود بعد أقل من دقيقة بصحبة ضابط آخر من طراز ( علبة سجاير ومفاتيح عربية وموبايل في يد واحدة وتيشيرت مخطط وجينز)


يتوجه الضابط الجديد نحو سمر مادا يده بابتسامة مهذبة اهلا استاذة عزة ايه اللي حصل يا فندم)
تجيب سمر: مش انا هي عزة : ينظر لي الضابط وقد وضعت يدي خلف ظهري اثناء الجلوس مكررا السؤال نفسه، اعيد رواية الحكاية اختصارا ( قال لي المحام لاحقا انهم علموا بصفتي الصحفية من مكالمة من قسم قصر النيل جرت بينما كنا في الطريق بين القسمين)
يبدأ الضابط المهذب في محاولات اقناعي بأن التشكيل الواحد فيه 250 عسكري، ومن الصعب استخراج من قام بالواقعة، أقول أنى استطيع تمييزه.  يكرر على مسامعي أنى "ست متعلمة وفاهمة" ولابد أني أعرف مدي صعوبة الموضوع. أكرر أني أصر على التحقيق في  الواقعة ومحاسبة المتحرش والمسئولين عنه ممن أري أنهم تستروا عليه وساعدوه على أن ينجو بما فعل. يستمر الجدل لنحو من عشر دقائق يأمر بعدها فلانا ما من الأمناء أو الجنود باصطحابنا لغرفة فلان باشا ( لا أذكر الاسم) رئيس المباحث


فلان باشا رئيس المباحث كان يجلس حيث استقبلنا في صالون فخيم، متخذا موقعه على أحد الكراسي تاركا المكتب الخشبي خاليا من كل سوء. فلان باشا يتحدث بتعال ظاهر يختلط به بعض اللامبالاة والملل البادي على محياه الوقور. فلان باشا استعاد منى الواقعة للمرة لا أعرف كم، حكيتها بآلية، تفادى سؤال " وهو اتحرش بيكي ليه" بكافة تنويعاته المهذبة وغير المهذبة، حاول للمرة لاأعرف كم ايضا أن يقنعني باستحالة التعرف على العسكري مؤكدا إنه واحد من ضمن "150 حمار" تحت إمرة الضابط قائد التشكيل وهو أمر يصعب من عملية التعرف على "الحمار" الذي قام بهذه الواقعة، فالضابط ( قائد التشكيل" معذور، خاصة وأن الورديات صارت تتغير ثلاث مرات يوميا وليس مرتين عشان الحقوقيين "أمثالنا" اللي صعب عليهم العساكر يقفوا 12 ساعة "لما كان النظام ورديتين بس".
تدخلت سمر لتدافع عن مبادئها التي تحترم حقوق عساكر الأمن المركزي كبني آدمين، فتدخلت وحاولت إبقاء الحوار متعلقا بواقعتي بصفتي مواطنا تعرض للاعتداء يسعي لمعاقبة الجاني واستعادة حقه في الأمن، متساءلة عن سبب التحفز الذي قوبلت به منذ حضوري للقسم. نفى رئيس المباحث وجود أي تحفز، مصدِّرا لي أني من جئت متحفزة ضد الشرطة فأجابت سمر أنه لو قام الضابط المسؤول بمساعدتي في الليلة السابقة لما مررنا ومروا هم معنا بكل ما يجري في هذه اللحظة. لم يجد الضابط أمام منطق سمر ردا مسكتا لتنقذه العناية الالهية بدخول باشا آخر أكبر سنا بصحبة الضابط  الأول ( طراز تيشيرت مخطط وموبايل وعلبة سجاير ومفاتيح سيارة في يد واحدة) وثالث لا أذكر له ملامح مميزة. "الباشا الجديد" يصوب فوهة مسدسه نحوي في يده المدلاة إلى جانبه وهو يسأل إيه الموضوع ،، لا يرد الضابط صاحب المكتب الذي كان يجادلني قبل قليل واتجاهل الرد فيجيب المحامي أنَّا بصدد تقديم بلاغ حول واقعة تحرش يسألني الباشا الجديد إن كنت من وقع عليها الاعتداء فأجيب بهدوء نعم يسألني : " والمحضر هيعملك إيه؟" أجيبه: " هحرر المحضر وهشوف إذا كانت الشرطة بتعرف تجيب حق الناس بالقانون" .. يصمت ثم يبدأ في استفزاز المحامي بأسئلة متتابعة حول مسكنه .. يأس الباشا الجديد من ان تحقق محاولاته للإرهاب نجاحا فخرج وسط ابتسامات حرجة من صاحب المكتب، واصل بعدها محاولات إقناعنا بالتراجع قبل أن يستسلم ويطلب من أمين الشرطة الذي اصطحبنا لمكتبه العودة بنا لغرفة النوبتجية لتحرير المحضر.


هناك انتظرنا قليلا ثم بدأنا في إملاء المحضر للأمين المكلف، وبعدها استغرق الضابط ذو الثلاثة نجوم الذي لا زال لا يصدق أن عسكري الأمن المركزي لم يتحرش بي من الباب للطاق حوالي نصف ساعة أخرى في قراءة كل كلمة من المحضر، تلتها حوالي نصف ساعة أخرى ينتظرون فيها المأمور للفراغ من صلاة العشاء حتى يقرر إن كان المحضر سيقيد كمحضر إداري أم كجنحة.
المحامي أكد لي مرارا أن هذا غير طبيعي، بعدما لاحظت أن كل المحاضر الأخرى التي عرضت لم تستغرق مراجعتها وإدراجها في الملفات دقائق معدودة إلا من المحضر الذي حررته أنا. المهم بعد سجالات من المحامي وقرار منى أنا وسمر أعلنا عنه بصوت عالي عن كوننا سنطلب الطعام ديلفري إلى القسم مادامت جلستنا ستطول، أصر الضباط على إدراج المحضر تحت مصنف المحاضر الإدارية وخرجنا من القسم بعد أن تكفل كارنيه نقابة الصحفيين بتحويلي من مواطنة عادية إلى مواطنة سوبر استطاعت بعد جهد جهيد انتزاع الحق في تحرير محضر لمن تحرش بها

لن أقول وألخص الدروس المستفادة من القصة المذكورة عاليه
لكن في السياق ذاته أذكركم بزميل صحفي بجريدة الشروق لم توقع جريدته معه عقدا وبالتالي مازال محروما من الكارنيه المقدس الذي صرت أحمله منذ شهرين اثنين فقط – دعك من أني قبل هذين الشهرين لم أكن لاتمكن من تحرير محضر لعسكري أمن مركزي متحرش وضابط أمن مركزي قام بالتستر عليه-  وتذكر أن بيشوي الصحفي والمصورببوابة الشروق لم يحظ حتى بزيارة من نقابة الصحفيين رغم أنه أصيب بقنبلة مسامير أثناء قيامه بعمله الصحفي أمام الكاتدرائية قبل أسابيع.
بيشوي لا يزوره أحد لأنه لا يحمل الكارنيه المقدس

من مدينة السلام للمعادي: موسيقى المهرجانات فاصل بين جيلين




.. تحية متواضعة لأحمد ناجي وفناني المهرجانات **

تحديث: نبهتني المخرجة سلمى الطرزي لخطأ معلوماتي وقعت فيه في هذا التحليل، حيث جانبني الصواب في اسم صانعي مهرجان " الثورة مستمرة" الذي غنّي ضمن الحملة الرئاسية للمرشح خالد علي. 
قلت في الموضوع ان صانعي المهرجان هما اوكا وأورتيجا، والمعلومة الصحيحة هي أن صانعي المهرجان هما دي جي فيجو والسادات. 
أعتذر عن هذا الخطأ وأشكر المخرة سلمى الطرزي التي قامت بتصحيح المعلومة وسأسعى لنشر التصحيح في العدد القادم من مجلة المجلة حيث نشر التحليل ورقيا. 


في الاعلان الشهير لأحد منتجات الأيس كريم يقف شابين أمام جهاز الكتروني ما، يتراقص أحدهما مغنيا على إيقاع تم توليده بواسطة الكمبيوتر: "إنسى هموم الدنيا يا صاحبي.. إيدي في جيبي وماشي براحتي"، بينما يدير صاحبه هذا الجهاز غير المفهوم ليقتحم بهجتهما أب يصر على تذكير ابنه "بترك الهبل ده " والتوجه للمذاكرة. مصير الأب صاحب التوجيهات والتعاليم في الإعلان هو التهامه من "الصاحب".
الإعلان الطريف الذي حقق نجاحا كبيرا بعد عرضه عام 2012، لخص في ثوان قليلة حالة استقبال اللعب والموسيقى الجديدة المعروفة بالمهرجانات بين جيلين، جيل محبي اللعب الذين يبحثون عن البهجة المتولدة من مفرادات يومهم الصغيرة، وجيل التعاليم صاحب المحددات الواضحة لما ينبغي أن يكون عليه الفن والبهجة والحياة.
في تحقيقه الصحفي الأقرب لدراسة وتأصيل تاريخي لموسيقى المهرجانات يقول الزميل أحمد ناجي عن "علاء فيفتي" مؤسس تلك الموسيقى: " في مدينة السلام بعيداً عن كل هذا كان “علاء فيفتى” ينظر إلى مياه المجاري التى تتكَاثر كأنها كائنات حية، تتناسل وتنتشر في شوارع مدينة السلام. الرطوبة تأكل المباني التى أعدتها على عجل القوات المسلحة بعد زلزال 92. يتحرك “فيفتى” وسط كل هذا وهو يستمع إلى أغاني أحمد عدوية وفنانى الراب العالميين. في ذلك الوقت كان “ايمنيم – Eminem” الأبيض الذي يغنى موسيقي الأفارقة الأمريكان ويحقق نجاحاً أكثر منهم كلهم ظاهرة فريدة في كل أنحاء العالم".
في 2005 بحسب تأصيل ناجي ولدت موسيقى المهرجانات من كمبيوتر صغير في إحدى شقق مساكن الزلزال في مدينة السلام، بالتزامن مع ولادة حراك سياسي جديد في الشارع وحركات شبابية تسعى لتغيير الواقع السياسي وجيل يبحث عن سبل جديدة لإسماع صوته للكبار عبر المدونات الآخذة – وقتها- في الانتشار البطئ.
لم تكن حركة موسيقى المهرجانات بمعزل عن هذا، فأصحابها من أبناء الجيل نفسه، يتعرضون لأشكال فنية وفكرية جديدة ومختلفة تعرضوا لها عبر تجمعاتهم في "سايبرات" المناطق الشعبية حيث كان إنترنت المنازل مازال عزيزا باهظا. تلك التجمعات فرضت نفسها على شكل الموسيقى التي ولدت فيما يسميه ناجي في دراسته الصحفية "الخط الساخن" الذي يجمع مناطق "مدينة السلام والمطرية وعين شمس " الواقع على تخوم حي مصر الجديدة الثري، والتي تجمع داخلها خليط من أبناء ضباط القوات المسلحة والأطباء والعائدين من الخليج (عماد الطبقة الوسطى الجديدة) وأبناء الحرفيين والعشوائيات و أصحاب مساكن الزلزال النازحين من عشوائيات ومناطق فقيرة أخرى إلى حي مدينة السلام الممتد على مساحة واسعة في أقصى شمال القاهرة.
في فيلم " ما تحت الأرض يصعد للسطح underground on surface- اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق" للمخرجة سلمى الطرزي، يقول أحد نجوم المهرجانات وعضو فرقة 8% أوكّا: " إحنا لسة عايشين في المنطقة الشعبية، بنتكلم عن اللي شايفينه وعايشينه، عمرو دياب مثلا كان عايش في منطقة شعبية بس معادش عايش فيها، كبيرك تتكلم عن الحب، الجرح، الحاجات دي..".  كلماته القليلة تلك تلخص أحد أسباب نشأة هذا اللون الموسيقي ليعبر عن حياة وأفكار لا تجد صداها لا في الغناء الشبابي شبه الرسمي الذي تعترف به الرقابة والفضائيات والحفلات التي تنظمها مؤسسات الدولة.
 فبعيدا عن الحب والهجر والجرح هناك علاقات إنسانية وأفكار ومشاعر تبحث عن منفذ للخروج للعلن، لهذا يكفي كمبيوتر صغير وبرنامج أو اثنين يمكن تحميلهما من الإنترنت داخل حجرة مغلقة في حي شعبي، لتولد أغنية عن "ناس بتموت وناس بتحيا ودم مغرق أرض اليابس..". و"أب باع عياله وهيس ..عشان واحدة جسمها كويس".
هنا الثورة:
صوت قذائف الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع يندفع متواليا بلا توقف في شارع محمد محمود، الميدان ممتلئ وفي كل دقيقة يخرج عدد من المراهقين والشباب من قلب الميدان ليغوصوا في الشارع مشاركين في الاشتباكات التي بدأت في التاسع عشر من نوفمبر 2011.
في لحظة يصعب تحديدها من يوم 20 نوفمبر بعد كسح قوات الشرطة والجيش للميدان ظهرا ثم عودة المتظاهرين اصطنع المتظاهرون ممرا بالحبال لكتيبة جديدة تنضم لصفوف الثورة " الإسعاف الشعبي" المكون من عدد من أصحاب الدراجات البخارية القادمين من المناطق الشعبية القريبة.
 في الوقت الذي رفضت فيه سيارات الإسعاف التدخل لإسعاف الإصابات المتواصلة الخارجة من محمد محمود كانت تلك الكتيبة الجديدة مسلحة بكمامات رخيصة على أنوف أفرادها، تغوص في الشارع لتحمل مصابا تعود به إلى عربات الإسعاف المنتظرة في الميدان، ويختلط بصوت القنابل ورصاصات الخرطوش وطلقات الرصاص صوتي أوكا وأورتيجا، ومهرجانات فرقة وليدة تدعى "الدخلاوية" لتشارك موسيقى المهرجانات في صناعة خليط محمد محمود حيث الصمود والثورة والدم والبهجة.
لم تولد موسيقى المهرجانات مع الثورة، لكن فرض ذلك الجيل الشاب لنفسه ومفردات عالمه على المجال العام بعد الثورة، جعل موسيقى المهرجانات تخرج أخيرا من عالم الأفراح الشعبية واحتفاء عدد من "شباب المثقفين" المهتمين بما تعارف عليه عالميا بمجتمع الأندرجراوند " حيث تولد فنون المهمشين المتحدية للسلطة بكل أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية". لتشتهر فرقة 8% المعروفة أكثر باسم عضويها "أوكّا وأورتيجا"  ابني المطرية.
بعد أشهر قليلة من أحداث محمد محمود سيعير أوكا وأورتيجا صوتيهما للحملة الانتخابية لخالد علي المرشح الشاب الذي اتخذ " الثورة مستمرة" شعارا له كحامل لمطالب الثورة وواحد من مرابطي الميدان.
لم يكن أوكا وأورتيجا وحدهما من أبناء الميدان الذين أنتجوا أغنيات معبرة عنه بأسلوب موسيقى المهرجانات، فبعد عام من كامل غنى السادات " أحد المؤسسين" مهرجان الثورة، وقدم الدخلاوية مهرجان نهاية العالم الذي تندر بالمقولة الأشهر لرافضي الثورة من المواطنين الشرفاء: " ادوله فرصة. نستنى ست شهور". لم يكن فيجو والسادات وحاحا وأوكا وأورتيجا والدخلاوية " مجموعة مهرجانات سكندرية" وحدهم من أنتجوا مهرجانات للثورة، ففي العاشر من يناير 2012 وقبل أيام قليلة من الذكرى الأولى للثورة ظهر مهرجان بعنوان "الثورة مستمرة" الذي قدم أهم وأشهر شعارات وهتافات الثورة على نغمات المهرجان الشعبي. المهرجان وجد طريقه سريعا لعربات التوكتوك والميكروباص في المرج ومنشية ناصر والدويقة ومناطق شعبية أخرى بالقاهرة.
عصر المنتجين:
من المطرية حيث عشرات الشهداء في جمعة الغضب " 28 يناير 2011"، أتي أوكّا وأورتيجا ليصيرا أشهر فريق عمل في عالم المهرجانات الذي لا يعترف بالعمل الفردي وإن كان يحترم تميز الأفراد، رغم أن أوكا وأورتيجا التحقا بعالم المهرجانات بعد مؤسسيه "حاحا وفيجو وفيفتي والسادات" إلا ان أوكا وأورتيجا أحدثوا نقلة في الكلمات والتوزيع الموسيقي أكسبهما اختلافا عما يقدمه المؤسسين.
 ومع نجاح هذا الشكل الموسيقي في جذب قطاعات واسعة خارج نطاق جمهوره الأصلي في المناطق الشعبية والشباب المهتمين بفنون "الأندرجراوند"، التقطت الحاسة الربحية لمنتجين سينمائيين هذا النجاح ليوظف في فيلم عرض خلال عيد الاضحى المنقضي، وكان أوكّا وأورتيجا من أبطاله وقدما خلاله عدة أغنيات وجدت كالعادة طريقها للافراح والتكاتك وعربات الميكروباص والسيارات الفارهة التي تندفع منها الموسيقي عالية في أحياء الزمالك والمهندسين والمعادي الهادئة.
خلقت تلك الأغنيات وجمهورها الجديد تصنيفا  جديدا لموسيقى المهرجان فصارت هناك "مهرجانات تجارية" تراعي قيم السوق والجذب، ويفرض عليها موضوعات وأسلوب لا يتفق مع الحرية غير المشروطة والرغبة في "إسماع المسكوت عنه" التي كانت أساسا لخلق موسيقى المهرجانات، مما يختلف مع ما يورده الزميل أحمد ناجي في تحقيقه الصحفي الذي نشرته أخبار الأدب: " بالنسبة لشباب المهرجانات الموسيقى لا تحتاج إلا الدماغ- الكلمات – الموزع الموسيقي- والكمبيوتر، ثم رفع الأغنية للانترنت والشبكات الاجتماعية... حقوق الملكية الفكرية تقريبا غير موجودة". لم يعد هذا واردا في عصر المنتجين وغناء الإعلانات التلفزيونية.
أغاني بيئة:
رغم هذا النجاح الذي فرض نفسه بقوة على أفرح الطبقة العليا والشريحة العليا من الطبقة المتوسطة وعربات الأثرياء المارة في الأحياء الغنية، ظلت أغاني المهرجانات متهمة من جيل الآباء بكونها "أغاني سوقية" أو كما يقول التعبير الشاب "بيئة". لكن لم يكن جيل الآباء وحده الرافض لذلك اللون الموسيقي القادم من أحياء القاهرة الشعبية والواصل إلى مدن "لا قرى" الصعيد وحتى واحة سيوة، كما يرصد الباحث عمرو عزت في تحقيق صحفي نشره حول الحياة في الواحة قبل أشهر قليلة من قيام الثورة.
فعلى شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك التي تلتقط أغاني المهرجانات وتشاركها لآلاف المرات، أسس أحد كارهي المهرجانات صفحة بعنوان " حملة للقضاء على المهرجانات الشعبية". الصفحة لم يتخط عدد متابعيها 69 شخص منذ تأسيسها في السابع من نوفمبر 2012. وتكتفى بجمل يكتبها مؤسسها " أحمد يعقوب" الذي اعتبر موسيقى المهرجانات "مؤامرة إسرائيلية" لإفساد الذوق العام في مصر. ويقارن يعقوب المهرجانات بأغاني الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، ويستصب لعنات الله على فناني المهرجانات رافضا ظهورهم في الأفلام والمسلسلات والإعلانات.
هذه الصفحة رددت بشكل بسيط ما قاله نقاد وكتاب صحفيون عقب إعلان مؤسسة المورد الثقافي عن استضافة فناني المهرجانات في سلسلة حفلات في مسرح الجنينة من خلال احتفالية "برا الصورة" في سبتمبر 2012. ليخرج حراس نقابة الموسيقيين من كبار الموسيقيين سنا وشهرة بحملة هجوم ضارية على ذلك اللون الموسيقي وفنانيه ويصفهم الملحن حلمي بكر في تقرير صحفي بأنهم " مجموعة من العشوائيين شاربي المخدرات"، ويصفها هاني مهنى "بالهلس والنكت" وقال صلاح الشرنوبي أنها مؤشر على ما يراه "انحططا سياسيا وثقافيا أفرزته الثورة".  بينما نشرت صحيفة ميدل إيست أون لاين الالكترونية تحقيقا يتحدث فيه أصحاب الأسماء السابقة أنفسهم مصحوبا بصورة لأوكا وأورتيجا وصفا تحتها بلقب " المطربان العشوائيان"، ليتسق الوصف مع عنوان التحقيق " مصر تتعاطى أوكا وأورتيجا" في إشارة ساخرة تصم الشابين بكونهما نوع من المخدرات الضارة، وكان العنوان الثاني : " موسيقيون يعتبرون أعمال الثنائي تسميما للذائقة الفنية".
الرفض المستمر من جانب الجيل الأكبر سنا لهذه الأغنيات لم يوقف انتشارها، وتوالت الاتهامات محصورة في كونها أغنيات تتعلق بالأفراح الشعبية حيث المخدرات والكحوليات ولا تحمل "قيم المجتمع المصري الأصيلة التي تنبذ هذه كله"، ولم يقدم الرافضون تفسيرا لانتشار هذه الأغنيات في مختلف الطبقات والأحياء المكتظة بالسكان من فئات متباينة، رغم كونها بحسب قولهم " تتنافر مع قيم هؤلاء المستمعين جميعا".

الصورة من فيلم اللي يحب ربنل يرفع إيده لفوق ،، للمخرجة سلمى الطرزي 
نشر بمجلة المجلة عدد إبريل 

تحية خاصة للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي :)