لست شخصًا فضوليًا فيما يتعلق بحيوات الآخرين
في الواقع يسيطر علي ما يمكن تصويره كلا مبالاة بالبشر بشكل عام
أنا زاهدة فيما لا رغبة لك بقوله إلا إذا كنت غاليًا ، وحتى في هذه الحالة لن ألح كثيرًا
ولكن فيما يبتعد عن الحيوات الخاصة للمحيطين بي، يجتاحني فضول عظيم لمعرفة كل شئ،، لمعرفة ما وراء الأشياء ومبتداها
أفكر احيانا في انه كان ينبغي أن اكون باحثة لا صحفية، انشغل بالبحث عن أصول الأشياء والتنقيب عنها. أريد ان اعرف كيف ولد كل شئ، كل حكاية، كل أسطورة ، كل أغنية وكل نكتة وكل لوحة
اكتشاف البدايات بالنظر إلى المنتهى، واحدة من متع الحياة الكبرى
خذ عندك مثلا هذه اللوحة
اللوحة تدعى القبلة وهى واحدة من لوحات كثيرة تحمل الاسم نفسه لفنانين كثيرين، رسم هذه اللوحة إدوارد مونش أو مونك أو مونخ لا يهم، صاحب لوحة الصرخة الشهيرة
هذه اللوحة ليست جميلة بشكل خاص ولكنها لوحة لطيفة جدا ، لن استطرد في وصف ما تراه بنفسك فقط راجع تفاصيل اللوحة قبل أن تنظر إلى هذه
هذا هو الاسكتش الأول للوحة نفسها، اللوحة ذات تفاصيل مغايرة، في اللوحة النهائية يستغرق العاشقان في قبلة مختبئة، على اجسادهما ملابسهما كاملة ويبالغان في إخفاء العالم أو إخفاء نفسيهما عنه بستار أبيض، يبدو ثقيلاً
في السكتش المبدئي، هما منشغلان بأنفسهما عن العالم البادي خلف النافذة، لا يوجد أية محاولات للإخفاء أو التواري ، في الاسكتش تحرر شديد ولا مبالة كاملة تظهر في طرفي الستار المفتوحين عن زجاج تبدو خلفه نوافذ العمائر المقابلة
تلخص اللوحتان بشكل ما حقيقة بت أومن بها
بدايات الأشياء لا تكتب منتهاها كما يعتقد الناس، تبدأ الأشياء كلها والعلاقات الإنسانية كلها بتلك الثقة الواضحة، الثقة المطلقة في الآخر وفي النفس وفيما بينكما، لا يقتصر هذا على العلاقات العاطفية فقط ولكنه ينسحب على الصداقات كذلك
هناك شئ في البدايات يعمي، لكنه عمى يكون وقتها محبب، أنت لا ترى سوى ما تريد أن تراه، لا ترى تلك النوافذ بالخارج، لا تهتم لما يراه الناس فيك وفي الطرف الآخر وفيما بينكما الذي يصير كائنًا ثالثًا له روح خاصة به لكنها ليست مستقلة عنكما تمامًا
تلك اللامبالة بالعالم لا تعنى أنه لا توجد هناك أعين في النوافذ المقابلة ترصد وتتلصص وتحكم وتتدخل،
تلك اللا مبالة بالعالم لا تعني أن الآخر لا يرصد من داخلة ويفكر ويحكم أيضًا
تدريجيًا يثقلنا الكائن الثالث، وتثقلنا النوافذ فنلجأ للستائر
وتأتي اللوحة الثانية ، اللوحة النهائية
الوحيدة التي يسمح لها الفنان أن ترى النور، ويظل الاسكتش الحر اللامبالي رهين المخازن ورحمة الورثة والزمن
البتر متعمد**