قبل أن يتم السابعة عشرة بأشهر قليلة، تلقى باتريك دوهيرتي الرصاصة في ظهره
أثناء الجري.
لم يكن المراهق الأيرلندي ينتظر أن
تصل محاولات قوات الشرطة الإنجليزية لمنع المسيرة التي يشارك فيها عن الوصول
لميدان جيلدهال الواقع بمدينة ديري في شمال ايرلندا، إلى درجة فتح النيران واستخدام
الرصاص الحي ضد المسيرة السلمية غير المسلحة التي خرجت لتطالب بالمساواة بين
الأقلية الكاثوليكية والأغلبية البروتستانتية المدعومة من السطات الإنجليزية التي
يراها بنى وطنه من سكان أيرلندا الشمالية احتلال تاريخي، لكن ظن باتريك وستة
وعشرين مراهقًا آخرين خابت عندما وقعوا ضحية للمذبحة المعروفة باسم «الأحد الدامي»
Bloody sunday.
بعد أيام قليلة من الذكري التاسعة والثلاثين لاستشهاد باتريك المراهق ذو الستة
عشر عاما، سيسقط «عبدالكريم أحمد رجب» في ميدان التحرير برصاصة في الرأس أطلقت من
فوق إحدى العمائر المحيطة بالميدان.
ربما كان عبدالكريم القادم من
الشرقية للمشاركة في ثورة الخامس والعشرين من يناير يفكر وقتها في كيفية فعالة لصد كل تلك الجمال والخيول والبغال التي
اقتحمت الميدان ظهر يوم «الأربعاء الدامي» المعروف بموقعة الجمل.
غالبا لا يعرف الشهيد عبدالكريم
الشهيد باتريك دوهيرتي الذي توفي في مسيرة سلمية رافضة لاحتلال القوات الإنجليزية
لبلاده وتقسيمها إلى جزئين (شمالي وجنوبي) وتغذية الاحتقان الطائفي بين أبناء
جلدته ممن يدينون بالمسيحية الكاثوليكية وشركائهم ممن يدينون بالمسيحية
البروتستانتية.
الاتفاق الوحيد بين الاثنين الذين توفيا على بعد ما يقرب من أربعين عامًا من
الزمان :أن كلاهما كان متظاهرا سلميًا، اتجه إلى الشارع ضد السلطة الحاكمة
للمطالبة بحقه في الحرية والكرامة، فانتهى يوم الثلاثين من يناير 1972 بمقتل
باتريك ومعه 27 شاب وفتاة لم يتخطوا العشرين، وانتهى اليومان اللذان دارت فيهما
موقعة الجمل باستشهاد عبدالكريم ومعه سبعة شبان آخرين وسقوط مئات الجرحى جراء
الهجوم المتواصل على الميدان.
هناك في شمال أيرلندا جرت محاكمة سريعة انتهت إلى براءة الجنود والضباط
المسئولين عن المذبحة التي عرفت منذ يومها "بالأحد الدامي" bloody
Sunday"، المجزرة المدبرة من النظام
الحاكم والبراءة التي تلتها زادت من مصداقية جيش التحرير الأيرلندي في الشارع، عرف
سكان شمال أيرلندا ان الكفاح السلمي وحده لن يكفي لمواجهة المجازر المرتكبة بحقهم،
لتبدأ بعد حكم البراءة حركة اغتيالات طالت الضباط المسئولين والمشاركين في المذبحة.
تقدم أبناء ايرلندا الشمالية بطلبات عدة لإعادة التحقيق في القضية، رفضتها
السلطات الإنجليزية وعلى رأسها رئيس الوزراء اليميني الأسبق جون ميجور، ليستمر
العنف بين الجيش الجمهوري من جهة والقوات الإنجليزية من جهة أخرى لسنوات قبل أن
يقرر رئيس الوزراء توني بلير «خليفة جون ميجور» عام 1998 إعادة التحقيق عبر لجنة
مستقلة رأسها لورد «مارك سافيل» بعضوية قضاة من خارج انجلترا لضمان الحيدة
والنزاهة، وانتهت هيئة التحقيق القضائية المستقلة إلى إدانة القوات الإنجليزية
وقضت بأن تعلن انجلترا اعترافها بارتكاب المجزرة وتقديم الاعتذار للشعب الأيرلندي.
من بين النتائج التي توصلت إليها اللجنة المستقلة أن الجيش الإنجليزي عمد
إلى إخفاء الأدلة المصورة والتي تضم صورا فوتوغرافية وفيديوهات تصور الاعتداء على
المتظاهرين غير المسلحين وإطلاق النيران عليهم أثناء محاولاتهم الفرار والنجاة.
كما عمد إلى تقديم شهود قاموا بتضليل المحكمة ومحاولة إلصاق الجريمة بجيش التحرير
الجمهوري الأيرلندي بزعم أنه بدأ إطلاق النيران على الجيش الإنجليزي مما دفع
الأخير للرد، وهو الزعم الذي انتهت لجنة التحقيق المستقلة إلى تكذيبه مؤكدة أن
المتظاهرين بالمسيرة كانوا عزلاً من السلاح. ورفضت زعم شهود قالوا في المحاكمة
الأولى أن الجيش الجمهوري الأيرلندي دبر المذبحة لكسب رصيد في الشارع الأيرلندي المعترض
على مسلك الجيش العنيف الرافض للمقاومة السلمية.
وبعد أربعين عامًا وتسعة أشهر من واقعة الأحد الدامي، استنطق من فرض عليهم
القتال في ميدان التحرير من هاجموهم ليعرفوا منهم أسماء المحرضين، وسجلت
الموبايلات والكاميرات الإعلامية المودجودة على أرض الميدان يوم الأربعاء الدامي
«موقعة الجمل» أسماء قيادات من أساطين النظام الحاكم منهم رئيس مجلس الشعب «وقتها»
دكتور احمد فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى واحد كبار المقربين من الرئيس المخلوع
«صفوت الشريف» ومعهما عدد من رجال أعمال الحزب وأؤلئك المحسوبين على معارضيه مثل
رجب هلال حميدة ومرتضى منصور وآخرين بلغ عددهم 25 متهمًا.
لم يجر تقديم المتهمين للمحاكمة سوى بعد مظاهرات عديدة دفعت المستشار
عبدالمعز ابراهيم رئيس محكمة الاستئناف لانتداب قاضي التحقيق المستشار محمود
السبروت للتحقيق في الواقعة وإحالة المتهمين للقضاء. وفي المحكمة عرضت شرائط فيديو
كان من المنتظر أن تقدم تسجيلا للواقعة التي نقلتها الفضائيات العالمية على
الهواء، لكن الشرائط التي وصلت المحكمة كانت تحوى تسجيلات لا تمت بصلة ليومي
الثاني والثالث من فبراير، حيث وصلت أشرطة تعود ملكيتها للمتحف المصري الذي يشرف
على تأمينه وكاميراته جهاز الأمن القومي «المخابرات العامة». فانتهت المحكمة لرفض
جميعات الشهادات المقدمة إليها والاكتفاء بقبول شهادة «اللواء حسن الرويني» قائد
المنطقة المركزية العسكرية» التي قال فيها أنه لم ير قتلى في ميدان التحرير خلال
اليومين اللذين وقعت فيهما موقعة الجمل.
لتقضى المحكمة يوم الأربعاء العاشر من أكتوبر ببراءة المتهمين بقتل شهداء
قال القائد العسكري المعروف أنهم لم يوجدوا من البداية.
1 comment:
لا نملك إلا أن نقول حسبى الله ونعم الوكيل !!!
Post a Comment