Sunday, February 21, 2010

عن القهوة ..عنِّي





أريد رائحة القهوة ! لا أريد غير رائحة القهوة. ولا أُريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة. رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدمي، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميها، لنمضي معاً، أنا وهذا النهار , إلى الشارع بحثاً عن مكان آخر ..

وانا كدرويش تماما .. لا اريد سوى القهوة ورائحتها... بالقهوة وحدها لا اقع فى تخبطى الدائم تجاه البشر .. اطلب واشرب امامى قهوتك أقُل لك من انت

ربما تخدعنى ابتسامتك الطيبة .. كلماتك التى تفوح منها رائحة المعرفة .. انحناءتك الخفيفة التى تبغى من خلالها اقناع الاخرين بالتواضع والود الا ان قهوتك ستفضحك

لأن القهوة, فنجان القهوة الأول هو مرآة اليد
واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها وهكذا ...
فالقهوة هي القراءةُ العلنية لكتاب النفس المفتوح .. والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار.

ليس رجلى من لا يعرف كيف يشرب القهوة .. يجلس جلستها .. ينزلها مكانتها .. يمسك بفنجانها ثم يرفعها ليحتسيها ببطء
يدير سائلها فى فمه برفق وفيما تنزل يده الفنجان ليعود لطبقه الصغير يقع فى حيرة كحيرتى .. ايزدردها اذ غلبه شوقه لملامستها لشفتيه ولسانه من جديد ؟ ام يتمهل ليتمتع بمذاقها الحاد املا فى استبقائها لاطول وقت ممكن .....

لا قهوة تشبه الأخرى، لكل بيت قهوته، ولكل يد قهوتها، لأنه لا نفس تشبه نفساً أخرى، وأنا أعرف القهوة من بعيد: تسير في خط مستقيم، في البداية، ثم تتعرج وتتأود، وتلتف على سفوح ومنحدرات، تتشبث بسنديانة أو بلوطة، وتتغلب لتهبط الوادي وتلتف إلى ما وراء وتتفتت حنيناً إلى صعود الجبل وتصعد حين تتشتت في خيوط الناي الراحل إلى بيتها الأول ...

لم احب قبلا .. لكن من ساحب لابد وان يكون خالقا ماهرا للقهوة  فلكل يد قهوتها .. لن  يستنكف ان يعد لى وله قهوتنا .. لن تكون قهوته ثقيلة دسمة ولا خفيفة مائعة .. ستحمل قهوته انفاسه .. اجلس جلستها وانزلها مكانتها لاحتسيها وادع انفاسه تتسرب لخلاياى تمر فى روحى فى رحلة كتلك التى يصفها درويش.

القهوة مكان. القهوة مسام تُسربُ الداخل إلى الخارج، وانفصال يوحد ما لا يتوحد إلا فيها هي رائحة القهوة. هي ضد الفطام. ثدي يُرضِع الرجال بعيداً. صباح مولود في مذاق مر، حليب الرجولة. والقهوة جغرافيا

القهوة مسام .. لا بل هى مفتاح سحرى يفتح ابواب الروح لتحتضن الاخرين برحابة تسمح لهم بالتلصص .. من يدرك قيمة القهوة .. من ينزلها منزلتها ، لا يعرف كيف يدعى فى حضرتها .. لا يعرف كيف يمارس خداعا او مواراة .. اراك على حقيقتك بينما تشرب القهوة ...

النار التي تتلون بالأخضر والأزرق، والماء الذي يتجعد ويتنفس حبيبات صغيرة بيضاء تتحول إلى جلد ناعم, ثم تكبر .. تكبر على مهل لتنتفخ فقاعات تتسع وتتسع بوتيرة أسرع وتنكسر، تنتفخ وتنكسر عطشى لالتهام ملعقتين من السكر الخشن الذي ما أن يداخلها حتى تهدأ بعد فحيح شحيح، لتعود بعد هنيهة إلى صراخ الدوائر المشرئبة إلى مادة أخرى هي البُن الصارخ, ديكاً من الرائحة والذكورة الشرقية ...

لن احب طفلا مدللا يظن ان العالم يتمركز حوله .. يشرب القهوة ولا يحتسيها .. ينتهكها.. يستغلها كى يستفيق.. ويمسك بفنجانها كى يضفى على نفسه من مكانتها ما يحب ويرضى ، لن يكون متعاليا يظن انه الم بكل شئ وخبر كل ما يختبر فيحتسيها "سكر زيادة".. يقصى طعم القهوة ليستحلب مذاق العظمة .. لا لن يحب القهوة سكر زيادة.

و لن يشربها معدومة السكر ليدعى زهدا يعوضه بالشراهة فى كل شئ اخر... فرجل القهوة السادة .. هو رجل الغرور.. رجل يظن ان تصدير العظمة لا انتهاج منهجها هو ما يصنع كينونته.

حبيبى سيأخذ مقدار ما يحتاج من كل شئ .. فقط ما يكفيه تماما لا شعرة زائدة .. رجل يقدر قيمة ما فعله ذلك الفلاح فى اقصى الارض ليزرع له البذرة السحرية التى انبتت حبوب شراب الملائكة يعرف كيف سهر عليها .. كيف رعاها .. كيف اخذ يستخرجها بحنو من زهرتها ليعبئها مختزنة كل هذا الحُب ، توطئة لان يرسلها الى حيث تطحن كى تمنحه هو .. تمنح رجلى هذه المتعة الصباحية مع قهوته الاولى "المظبوطة".

لا أعرف سيدات كثيرات مهووسات بصباح القهوة. الرجل هو الذي يفتتح نهاره بالقهوة، أما المرأة فإنها تفضل المكياج!


قبل رحيل درويش تمنيت على الله ان يجعله امرأة ليوم واحد ليختبر كيف يذوق لسان المرأة القهوة .. كيف يهدهدها .. يحنو عليها .. يربت على طحين حبيباتها برفق ... يرفعها بهدوء لتلامس سقف الحلق لتلسعه بمرارتها المستعذبة قبل ان تتسرب رويدا رويدا الى الداخل تعرف طريقها جيدا تنقسم الى اعلى واسفل .. تصعد  الى الراس فتديره كى تعيده الى الموضع الصحيح تماما تماما....
لا اعتقد  ان الرجل يقدر على شرب القهوة بالكيفية التى تشربها بها امرأة تعرف قيمة القهوة .. تجلس جلستها .. تنزلها مكانتها .. ولا تفضل عليها المكياج.


-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

المقاطع باللون الازرق من نص " القهوة " لمحمود درويش من  ذاكرة للنسيان**

هذه التدوينة لا تعدو كونها لعبة كلامية وتجربة لكتابة شئ لا يشبهنى ليس أكثر**

3 comments:

مصعب رجب said...

رغم أنها مجرد تجربة ولعبة كلامية كما تقولين ... إلا أنها تعجبني .. وبشدة

تحياتي

Hosam Yahia حسام يحيى said...

روعه
أستاذتى تكتب
باسلوب رائع :)
ربنا يسعد حضرتك يارب

Azza Moghazy said...

مصعب
متشكرة جدا ، مر وقت طويل من تعيلقك وانا مش مضيف جيد
خلينى اتخابث واقوللك البيت بيتك ولو انى اعنيها

حسام : ازيك
انا متشكرة جدا لكلامك الطيف المهذب دايما يا حسام
وربنا يسعدك ويوفقك دايما يا رب